بقلم : الناقد
[مؤسفٌ حقّا ما نراه وما نسمعه وما نقرأ عنه..]
مؤسفٌ حقّا ما نراه وما نسمعه وما نقرأ عنه بعد كلّ مباراة من مباريات كرة القدم، ويشتدّ الأسف عندما يتعلّق الأمر بالمباريات الدَّوليّة، حيث تتفاقم الآفات السّلبية الّتي تُسفِرُ عنها هذه المنافسات
لذلك ترى أهل الصلاح وأهل الفكر الناضج والوعي الصحيح يتمنون أن يُقصَى فريق بلدهم في وقت مبكر ليتوقف التعلق بالأوهام، وتتقلّص مظاهر الفساد، وتتحجّم الخسائر الّتي تعقب كلّ مباراة، وقد سمع بعض السّفهاء المبذّرون لأموالهم وأوقاتهم ودمائهم وأرواحهم بهذه الأمنية فاتّهموا أصحابها بضعف الإيمان بالوطن، وغياب الروح الوطنية، وعدم حب الوطن الخ..
[زمن انقلاب الموازين..]
فقلت في نفسي: حقًّا إننا في زمن انقلاب الموازين، حيث أصبح:
ذلك الشاب الذي قلبه معلق بفرنسا وأكبر أمانيه أن يحصل على الجنسية الفرنسية، والذي يفضل الموت في البحر على أن يعيش في وطنه..
وذاك الذي يروج المخدرات ليهلك أهل وطنه
والذي يختلس أموال المؤسسات العمومية حتى أفلست
والذي يستورد السلع الفاسدة والمغشوشة ليبتز أموال أهل وطنه
والذي يحارب لغة الضاد
والذي يحتقر كل شيء مصنوع أو منتج في الجزائر، وكل شخص تكوَّن في الجزائر وكل من يتكلم بلغة أهل الجزائر ويتشبث بدين أهل الجزائر..
كلّ هؤلاء وغيرهم يأتوننا في مثل هذه الأيام ليعطونا درسا عظيما في الوطنية ! وإنه لدرس بارزة عناصره، واضحة معالمه، لقد فهمته قبل أن يُشرح لهؤلاء العقلاء الفضلاء النزهاء، فقلت في نفسي:
[فقلت في نفسي..]
إن حبّ الوطن يظهر جليا عندما تتعطل البلاد كلها وقت المباراة، بحيث لو أراد محتل احتلال بلادنا على الطريقة التقليدية لما كان ثمة أحسن من وقت المباراة، في وقت المباراة الحوانيت مقفلة والمستشفيات معطلة، لا أحد يشتري ولا أحد يمرض، إن الخروج للشراء والبيع خلاف الوطنية ومن يمرض في تلك الساعة فلضعف وطنيته.
إنّ حب الوطن يظهر عندما تصرخ الجماهير صرخة واحدة عند تسجيل كل هدف في مرمى الخصوم، لأننا نجد في ذلك تعويضا عن الذل الذي أصابنا في شتى المستويات؛ العسكرية والعلمية والثقافية والاقتصادية، فنحن نخسر في الجد فعلى الأقل دعونا نفرح عند الربح في اللعب، ونشعر ولو يوما بعزتنا المسلوبة وكرامتنا المفقودة.
إن تلك الصرخات تعبر عن توحد مشاعر المواطنين على اختلاف طبقاتهم وانتماءاتهم وجهاتهم، لقد فرقتنا السياسة والجهوية والمحسوبية والبرجوازية والاشتراكية وحتى الشعائر الدينية، فلنترك إذا المجال لكرة القدم لتجمعنا وتوحد مشاعرنا وفرحتنا عند انتصار منتخبها.
حب الوطن يظهر عندما نخرج سكارى أو كالسكارى في الطرقات نهتف بحياة الجزائر التي فاز فريقها والتي تأهل منتخبها، بل نقول -كما يعبر الوطنيون -: ربحت الجزائر وتأهّلت، بل إن الوطنيين الخُلَّص يشعرون بأن الجزائر حلت فيهم واتحدت بهم فيقولون وربحنا وتأهلنا.
حب الوطن يظهر عندما تخرج السيارات تسير في كل اتجاه غير مبالية بقوانين المرور ولا أحكام السياقة، إنّها نشوة الحب التي تفقد الناس الصواب والعشق الذي تزول معه العقول، حتى إنّ من النّاس لفرط محبتهم للوطن بدلا من أن يركبوا السيارات من داخلها ركبوها من فوقها .. ( أخطئوا من شدة الفرح )!!.
حبّ الوطن يظهر عندما يسقط بعد كلّ مباراة شهداء الكرة،- عفوا شهداء الوطن الجدد - بسبب الحوادث التي تتعدّد أسبابها، فما أسعد يوم من يموت في تلك المظاهرات ! وكان آخر كلامه: " فزنا عليهم" ؟
حبّ الوطن يظهر في شرائنا للجرائد التي تحوي تصريحات اللاّعبين والمدرّبين بعد المباراة ، وفي الاشتغال بالحسابات والتكهّنات بالنسبة لما بقي من مباريات، ويظهر أكثر في انتقاد الحكّام المخطئين والمتواطئين، وفي سبّ بلدان خصومنا من اللاّعبين والشّعوب والحكومات ...
[لقد فهمت الدرس فهما جيدا..]
لقد فهمت الدرس فهما جيدا ربما كنت قد شرحته بما يعجز عن مثله مدرِّسوه، لكنّي بصراحة لم أقتنع به حتّى الآن..
لأنّه لا يمكن أن أصدّق أنّ من يترك شوارع وطني وسخة من أثر النفايات بعد المظاهرات يحب وطنه..
ولا يمكن أصدق أن من يترك أعلام بلده ممزقة ملقاة هنا وهناك يحب وطنه، كيف أصدق هذه الدعوى وأنا أسمع عن محلات سرقت ومؤسسات خربت وأعراض وحرمات انتهكت وخمور شربت وأرواح أزهقت بعد كل مباراة، كيف أصدق ذلك وقد وجدت وطني خسر أموالا طائلة في لعب ولهو لا فائدة منه، ووجدت أبناء وطني أضاعوا أعمارهم وصحتهم في لهو باطل..
كيف أصدق ذلك وحال هؤلاء المدرِّسين للوطنية ما وصفت أعلاه، والله المستعان وعليه التّكلان، ولا إله إلا الله، لا معبود بحقّ سواه